100 100 100

من ينتصر: الإنسان أم “الروبوتات القاتلة”؟

البوابة العربية للأخبار التقنية البوابة العربية للأخبار التقنية

د. عمار بكار، إعلامي وكاتب متخصص في شؤون الإعلام الرقمي والمستقبليات

بقلم: د. عمار بكار


من المألوف جدا في أفلام هوليوود أن نرى روبوتا قاتلا، يتحكم به في الغالب بعض الأشرار لتدمير العالم، ويدخل في صراع مع الإنسان، مرتكبا أخطاء فادحة أحيانا لأن في النهاية مجرد “روبوت”.

هذا السيناريو الهوليوودي أصبح الآن حقيقة واقعة تماما. هناك سباق حميم بين عدد من الدول في العالم نحو صناعة روبوتات قادرة على خوض الحروب نيابة عن الإنسان. هذه “الروبوتات القاتلة” (Killer Robots) كما تسمى كمصطلح عام تتميز بكونها تخوض الحروب بفعالية عالية جدا، وتكلفة محدودة، وتستطيع القتال في مختلف الظروف المناخية والجغرافية، وعندما تموت، فإنها تموت وحدها دون أن تحصل أي خسائر بشرية بطبيعة الحال.

الروبوتات القاتلة ليست فقط مجرد إنسان آلي يمشي، فهي قد تكون طائرات بلا طيار، أو دبابات ذاتية القيادة، أو أجهزة صغيرة جدا تتسلل على الأرض لتنفجر عند وصولها لهدفها، أي أنها عمليا أي أجهزة تستطيع أن تتصرف بشكل مستقل عن الإنسان، ولذلك فإن اسمها الرسمي هو “أنظمة الأسلحة المستقلة الفتاكة”(LAWS).

يقول الذين يطالبون بمنع “الروبوتات القاتلة” إن هذا هو التوقيت الصحيح لإيقافها

أضف لهذا كله الذكاء الاصطناعي، والذي يجعلها قادرة على القتال واتخاذ القرارات وتنفيذ العمليات دون الحاجة للكثير من التوجيه من طرف الإنسان، وبناء على لوغاريتميات يتم تغذيتها بها، بحيث تحارب على أساسها. يمكن مثلا استخدام تقنيات “التعرف على الوجوه” لتعليمها البحث عن أشخاص محددين، ومهاجمتهم، أو تحديد أهداف عسكرية لها، بحيث تستخدم الروبوتات قواعد المعلومات التي تدخلها لتحديد طريقة الهجوم، وتنفيذها في أرض المعركة.

الحرب بين الروبوتات القاتلة والإنسان بدأت فعلا، فهناك عدد كبير من منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، ومن خبراء الذكاء الاصطناعي وعلماء الأخلاقيات يعملون للضغط على الأمم المتحدة والدول الكبرى لإيجاد قوانين تمنع الروبوتات القاتلة، وخاصة منها التي تعمل باستقلال كامل عن الإنسان (مقارنة بتلك التي يقودها إنسان جزئيا أو كليا)، وهؤلاء يستخدمون شعارا أساسيا هو (أوقفوا الروبوتات القاتلة)، ويعتمدون في حملاتهم على شبكة الإنترنت أو التظاهرات أو الجهود السياسية في المنظمات الدولية والإقليمية.

هؤلاء الذين يحاربون فكرة “الروبوتات القاتلة” ويطالبون بحظرها بشكل مشابه لحظر الأسلحة البيولوجية هم عمليا في سباق مع الوقت لأنه من المتوقع أنه خلال عامين أو ثلاثة نرى الروبوتات القاتلة المجندة بأنظمة الذكاء الاصطناعي أو أنظمة القيادة والرصد الذاتية قد أصبحت متاحة للاستخدام من جيوش الدول. هناك حاليا منافسة هائلة بين خمس دول أساسية هي أميركا وروسيا والصين وإسرائيل وبريطانيا على تطوير الروبوتات القاتلة، لأنه باختصار من يملك القدرة في هذا المجال فهو يملك التحكم في “حروب المستقبل”.

هناك رؤية بين العلماء في المجالات العسكرية تقول بأن “الروبوتات القاتلة” هي “الثورة الثالثة” في تاريخ الحروب، بعد ثورة “الأسلحة النارية” الأولى ثم ثورة “السلاح النووي” الثانية، وهذا كاف ليشرح لماذا هذا التنافس الضخم بين الدول، والاستثمار بالمليارات في مجال الروبوتات القاتلة، وليشرح أيضا كيف ستغير هذه الروبوتات طبيعة الحروب العسكرية إلى الأبد.

يقول الذين يطالبون بمنع “الروبوتات القاتلة” إن هذا هو التوقيت الصحيح لإيقافها عن الوجود قبل أن توجد فعلا ويصبح من شبه المستحيل إيقافها مع احتياج كل دولة لها في توازن عسكري مع الدول الأخرى (شأنها شأن الأسلحة النووية)، وهم يرون أن خطر هذه الروبوتات ضخم جدا لأنها ستسهل الحروب بحكم أن الهجوم لن يتضمن خسائر بشرية من الجيش المهاجم وبالتالي ضغط أقل من الرأي العام، كما أنها تقلل تكلفتها المادية، وهذا كفيل بزيادة عدد الحروب في العالم.

أضف إلى ذلك كله، أن عددا كبيرا من العلماء يقولون بأن الأخطاء التقنية لدى هذه الروبوتات، أو وجود أي قصور في لوغاريتميات الذكاء الاصطناعي قد يعني أخطاء قاتلة أو مدمرة تشعل حروبا أو يذهب ضحيتها أبرياء ومدنيين، فضلا عن قصورها في تقييم المواقف المعقدة، وهؤلاء العلماء يؤكدون أنه من المستبعد جدا خلال السنوات القادمة وجود أنظمة تقنية ذاتية القيادة خالية تماما من الأخطاء أو قادرة على التفكير المعقد. وكل هذه القضايا خلقت موقفا معاديا ضمن الكثيرين ضد ما يسمونه “القتل باللوغاريتميات”، ومن هؤلاء مبرمجي شركة غوغل الذين احتجوا بقوة واستقال بعضهم ليضطروا غوغل لإلغاء مشروع “ميفن” Maven المشترك مع البنتاغون لتطوير الذكاء الاصطناعي للروبوتات القاتلة.

“الروبوتات القاتلة” هي “الثورة الثالثة” في تاريخ الحروب

وزارات الدفاع من جهتها تدافع بقوة عن موقفها. هي تقول بأن هذه التقنية قادمة لا محالة، ومن الأفضل ألا تخسر الدولة استراتيجيا إذا قصرت في هذا المجال. وهم أيضا يقولون إن هذه التقنية تقلل الخسائر البشرية في الحروب، والدليل على ذلك أن الطائرات بلا طيار (وخاصة الأميركية) قامت بعدد كبير من العمليات خلال الأعوام القليلة الماضية دون خسائر بشرية بين الجيش الأميركي (وطبعا بدون غضب من الناخبين الأميركيين). أضف إلى ذلك فعالية “الروبوتات القاتلة”، فهي تستطيع خوض الحروب البرية بفعالية، حتى في جغرافيات صعبة مثل الجبال، وهي لا تعرف الخوف والقلق الذي يدفع الإنسان عادة لارتكاب أخطاء.

وبالفعل فعدد من الدول حققت تقدما كبيرا في هذا المجال، وعلى رأسها أميركا، والتي احتفلت هذا العام بغواصة “سي هنتر” (Sea Hunter) ذاتية القيادة، والمتطورة جدا، بينما تستعد الصين لتدشين غواصات مشابهة أيضا. إسرائيل أعلنت عن طائرات بلا طيار مزودة بالذكاء الاصطناعي، بينما دشنت كوريا الجنوبية حرسا للحدود مع كوريا الشمالية من الروبوتات القاتلة التي تستشعر أي محاولات لاختراق الحدود، وتقتل فورا. روسيا كشفت أنها جربت عددا من روبوتاتها القاتلة في معاركها في سوريا.

الخبر السيء هو للعسكريين. كل الدول تتحدث عن كونها ستحتاج عسكريين أقل، وستستغني عن الجيوش البرية، وستقلل تكاليفها العسكرية الضخمة. إذا كنت تحلم بابنك وهو يمضي والنجوم تتلألأ على كتفيه، فربما ينبغي عليك أن تفكر في وظيفة أخرى مختلفة لمستقبله.


د. عمار بكار

إعلامي وكاتب متخصص في شؤون الإعلام الرقمي والمستقبليات، والرئيس التنفيذي لشركة ييس تو ديجيتال ومركز ARC للأبحاث الاستراتيجية. عمل في عدة مناصب إعلامية واستشارية خلال أكثر من 20 سنة.


 

البوابة العربية للأخبار التقنية من ينتصر: الإنسان أم “الروبوتات القاتلة”؟



from البوابة العربية للأخبار التقنية https://ift.tt/2ZFvKRZ
via IFTTT